Tuesday, January 29, 2008

هل أعلمه الأدب أم اتعلم منه قلة الأدب


مقال للدكتور ميسرة طاهر

في كل صباح يقف عند كشكه الصغير ليلقي عليه تحية الصباح ويأخذ صحيفته المفضلة ويدفع ثمنها وينطلق ولكنه لا يحظى إطلاقا برد من البائع على تلك التحية، وفي كل صباح أيضا يقف بجواره شخص آخر يأخذ صحيفته المفضلة ويدفع ثمنها ولكن صاحبنا لا يسمع صوتا لذلك الرجل، وتكررت اللقاءات أمام الكشك بين الشخصين كل يأخذ صحيفته ويمضي في طريقه، وظن صاحبنا أن الشخص الآخر أبكم لا يتكلم، إلى أن جاء اليوم الذي وجد ذلك الأبكم يربت على كتفه وإذا به يتكلم متسائلا: لماذا تلقي التحية على صاحب الكشك فلقد تابعتك طوال الأسابيع الماضية وكنت في معظم الأيام ألتقي بك وأنت تشتري صحيفتك اليومية، فقال الرجل وما الغضاضة في أن ألقي عليه التحية؟ فقال: وهل سمعت منه ردا طوال تلك الفترة؟ فقال صاحبنا: لا ، قال: إذا لم تلقي التحية على رجل لا يردها؟ فسأله صاحبنا وما السبب في أنه لا يرد التحية برأيك؟ فقال: أعتقد أنه وبلا شك رجل قليل الأدب، وهو لا يستحق أساسا أن تُلقى عليه التحية، فقال صاحبنا: إذن هو برأيك قليل الأدب؟ قال: نعم، قال صاحبنا: هل تريدني أن أتعلم منه قلة الأدب أم أعلمه الأدب؟ فسكت الرجل لهول الصدمة ورد بعد طول تأمل: ولكنه قليل الأدب وعليه أن يرد التحية، فأعاد صاحبنا سؤاله: هل تريدني أن أتعلم منه قلة الأدب أم أعلمه الأدب، ثم عقب قائلا: يا سيدي أيا كان الدافع الذي يكمن وراء عدم رده لتحيتنا فإن ما يجب أن نؤمن به أن خيوطنا يجب أن تبقى بأيدينا لا أن نسلمها لغيرنا، ولو صرت مثله لا ألقي التحية على من ألقاه لتمكن هو مني وعلمني سلوكه الذي تسميه قلة أدب وسيكون صاحب السلوك الخاطئ هو الأقوى وهو المسيطر وستنتشر بين الناس أمثال هذه الأنماط من السلوك الخاطئ، ولكن حين أحافظ على مبدئي في إلقاء التحية على من ألقاه أكون قد حافظت على ما أؤمن به، وعاجلا أم آجلا سيتعلم سلوك حسن الخلق، ثم أردف قائلا: ألست معي بأن السلوك الخاطئ يشبه أحيانا السم أو النار فإن ألقينا على السم سما زاد أذاه وإن زدنا النار نارا أو حطبا زدناها اشتعالا، صدقني يا أخي أن القوة تكمن في الحفاظ على استقلال كل منا، ونحن حين نصبح متأثرين بسلوك أمثاله نكون قد سمحنا لسمهم أو لخطئهم أو لقلة أدبهم كما سميتها أن تؤثر فينا وسيعلموننا ما نكرهه فيهم وسيصبح سلوكهم نمطا مميزا لسلوكنا وسيكونون هم المنتصرين في حلبة الصراع اليومي بين الصواب والخطأ، ولمعرفة الصواب تأمل معي جواب النبي عليه الصلاة والسلام على ملك الجبال حين سأله: يا محمد أتريد أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال: لا إني أطمع أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. لم تنجح كل سبل الإساءة من قومه عليه الصلاة والسلام أن تعدل سلوكه من الصواب إلى الخطأ مع أنه بشر يتألم كما يتألم البشر ويحزن ويتضايق إذا أهين كما يتضايق البشر ولكن ما يميزه عن بقية البشر هذه المساحة الواسعة من التسامح التي تملكها نفسه، وهذا الإصرار الهائل على الاحتفاظ بالصواب مهما كان سلوك الناس المقابلين سيئا أو شنيعا أو مجحفا أو جاهلا، ويبقى السؤال قائما حين نقابل أناسا قليلي الأدب هل نتعلم منهم قلة أدبهم أم نعلمهم الأدب؟

14 comments:

يا مراكبي said...

أشكرك على نشر المقال الجميل ده

المال ده معبر عن حقيقة جميلة وهي إن اليأس من الإصلاح غير سليم بالمرة .. وأن نضيء شمعة صغيرة حقيرة بتكون أحسن مليون مرة من أن نلعن الظلام

وأهي نواية بتسند الزير زي ما بيقولوا

أحمد سلامــة said...

نعلمهم الأدب
ولو بقلة الأدب
:)
حمدالله عالسلامة

Ehab said...

مدونه فظيعه
تسلم ايدك
اما عن البوست ده
فجه في وقته صح
لأن الواحد بقى شايف كم من التخلف والتسيب والأستهتار والوقاحه والفحش
لدرجة اني حاسس وكأن الدنيا ستحترق بنا فجاه من هول وبشاعة الموقف
-حلوه هول وبشاعه دي-
المهم يعني فكره صعبه قوي
نرد الأساءه بإساءه ولا نرد بأخلاقنا
امي قالتلي متعاملش الناس بمعاملتهم عاملهم بأخلاقك انت مش بأخلاقهم
لكني شايف عمليا النا بتفهم ده على انك اضعف منهم
ولما بتعاملهم زي معاملتهم بيحسوا انك زيهم يبقى مش ضحيه ده في خانه الذئاب
وانا احب اعيش ذئب على ان اموت خروف
مع اعتذاري طبعا لكل الخرفان

سلاااااااااااااااام

qwert anime said...

البوست دة
ضربة معلم
يا ريت كل الناس تعلم و تتعلم الادب

mariamagdolen new said...

والله يابنتى كلنا نامل فى لالصلاح

Najwan said...

مراكبي ازيك
انا اعدت 5 دقايق افكر ازاى المال معبر بعدين اكتشفت انه قصدك ا لمقال :).
كلام جميل بس انا مش متفقه معاك انه كل شمعه صغيرة تبقى حقيرة فيه شمع صغير جامد على فكرة

Najwan said...

سلامه
احنا كدا بنعلهم قله ادب مش الادب هههههه نظريتك شنيعه

Najwan said...

شنكوتى الكبير
انا اول مرة اشوف مدونتك هتفرج عليها دلوقتى وانا مبسوطة اوى ان مدونتى عجبتك
على فكرة مماتك عندها حق جدا وانا راى تمشي على حسب ما ربتك

Najwan said...

qwert
اه قولهم يتعلموا عشان محدش بيسمع الكلام

Najwan said...

mariam
لا مش كلنا على فكرة في ناس عجبها اوى الوصع كدا

dr.D said...

أنا رجعت أقولك هايل يا نجوانز.وأصبري عليه شويه هنزلك بمفاجأه

Najwan said...

Dr.D
هيه مفاجاءة طيب تمام انا هستنى

Anonymous said...

همممممممممم
حلو المقال قوى
ازاى الواحد مهما حصل يعمل اللى هو مؤمن بيه
مش فى العادات البسيطه اليوميه وبس
فى كل حاجه من غير ادعاء ولا انتظار لما ستسفر عنه الامور
متهيألى احنا بنغش نفسنا وبعضنا اكتر من اللازم دلوقتى
معلش تداعيات افكار كتير دارت فى دماغى

Najwan said...

وينكى
ازيك ياوينكى
المشكله بقى انه مبقاش في حد مؤمن بحاجه اساسا وهنا تكمن المشكلة
خدتى بالك من تكمن دي :)